الفصل الأوّل:
المسيحيّة في البلاد العربيّة
أهدي دراستي المتواضعة هذه:
1- إلى مريم أمّ المسيح التي دعتنا في مديوغوريه (البوسنة) إلى محبّة إخوتنا المسلمين وقالت: «أنتم من صنعتم الأديان والتفرقة لا الله».
2- إلى الكنيسة التي دعت في المجمع الفاتيكاني الثاني عام 1965 إلى حوار مفتوح مع إخوتنا المسلمين.
3- إلى البابا الحالي فرنسيس الذي، ولأوّل مرّة في تاريخ الكنيسة، غسَّل وقَبَّل قدمي امرأة مسلمة، يوم خميس الأسرار، في 28/3/2013، في حفل غسل الأرجل على مثال السيّد المسيح، فاتحًا لنا باب محبّة شاملة تجاه إخوتنا المسلمين.
4- إلى الدولة اللبنانيّة الكريمة التي تشجَّعت، ولأوّل مرّة في التاريخ، أن تجمع المسلمين والمسيحيّين في عيد بشارة مريم بالمسيح ابنها، ليكون عيدًا وطنيًا للجميع، وبداية تفاهم واتحاد إسلاميّ مسيحيّ عالميّ.
5- إلى عشرات آلاف الشبّان، مسلمين ومسيحيّين، الذين تجمهروا في ساحة بكركي، وقت زيارة البابا بنديكتوس إلى لبنان، في 15 أيلول 2012، وطالبوا بالبحث في الوحدة والتفاهم بين المسلمين والمسيحيّين لأنّهم يرغبون السلام وسئموا الحروب والبغضاء.
6- إلى كل مؤمن يبحث عن المحبّة والسلام.
7- إلى القدّيس شربل الذي تنبَّأ بوحدة عالميّة بين المسلمين والمسيحيّين سنة 2046.
قبل البدء بالكلام عن الحياة الرُّهبانيّة العربيّة يتوجّب علينا الكلام عن البيئة الحاضنة لهذه الحياة وهي البيئة المسيحيّة، أو «كنيسة العرب».
أَوَّلاً: خارطة الانتشار العربيّ قبل الإسلام
بالإضافة إلى شبه الجزيرة العربيّة، التي كانت تتمتّع بشبه حكمٍ مستقلٍّ على الطريقة القبليّة، نشطت دولة الأنباط في عهد الإغريق. وبقوا في عهد الرومان على استقلالهم حتّى عهد ترايان. وعام 106م قضى الرومان على استقلالهم. ودعوا البلاد باسم المقاطعة العربيّة. كانت هذه المقاطعة واسعة الأطراف؛ فحسب فلافيوس يوسيفوس، هي تمتدّ من نهر الفرات، مروراً ببلاد الشام، حتّى البحر الأحمر، وإلى جبال أمانوس –حسب بلينوس الصغير- في تركيّا سكن العرب سيناء وأصبحت بلادهم، وهاجروا إلى مصر أيضًا، وكان لهم ملوك في محيط إسرائيل ، واجتاحوا يهوذا، واستقرّ فيها كثيرون منهم. فهل رعاة بيت لحم كانوا من العرب؟ لأنّ العرب يضربون الخيام في البادية ، ويهتمّون بالماشية.
خلفت تدمرُ دولةُ الأنباط وكانت السيادة فيها للعرب. وابتداء من سنة 260م، خاض ملكها حروبًا ناجحةً ضدّ الفرس مكّنته من فرض نفوذه على كلّ سوريّا، وقد اعترف به الإمبراطور الرومانيّ غلينيس إمبراطورًا على الشرق. لكنّ الرومان عادوا ودمّروا تدمر عام 273.
ومن ذلك العهد صار الرومان وخلفاؤهم البيزنطيّون. قادرين دائما أن يكسبوا عطف بعض العرب ويتّخذوهم صنائع لهم على تخوم البادية، يستعينون بهم في صدّ غارات البدو على المناطق المتحضّرة. وكان لهم أن اصطنعوا الغساسنة في الشام. وأشهر هؤلاء الملوك الحارث الخامس الذي أنعم عليه يوستنيانوس بالتاج سنة 529م، وجعل سلطته مطلقةً على كلّ عرب شمال سوريّا وقبيل الفتح الإسلاميّ كان مع ملكهم 100000مقاتلٍ عربيٍّ مسيحيّ.
اتّبع الفرس، أعداء الرومان التقليديّون، أسلوب روما، فنصَّبوا ملكًا على العرب، في العراق، وهو عمرو من بني لخم، وقد عيَّنه سابور الأوّل (241-272 م)؛ أمّا خلفاؤه فجعلوا مقرّهم في الحيرة.
ثانيًا: المسيحيّة تدخل بلاد العرب
تعرَّف العرب إلى المسيح في بدء بشارته في الجليل إذ انتشر خبر عجائبه في سوريّا كلِّها حضر قسمٌ منهم يوم العنصرة، وآمن بعضهم! أرسل المسيح ابن ثلماء -أي برثلماوس- إلى الأعرابيّة، وهي أرض الحجاز وبالفعل اكتُشفت قديمًا مسلّةٌ جنائزيّة، في جبل عقيق، القريب من المدينة، يثرب، تحمل حروفًا سريانيّة، كانت تعلو أحد قبور رسل المسيح والرسول فيميون بشّر في نجران فنصّر أهلها وأيضًا مار بولس سكن ثلاث سنوات في العربيّة، وبالطبع بشرَّ أهلها بالمسيح كعادته. والحارث الرابع، ملك دمشق، الذي كان يريد قتل مار بولس، كان نبطيًّا.
وقد أحجمنا عن التوسّع في هذا الموضوع لكون جوزفين إبراهيم نصر تناولَتْ هذا الموضوع ولا حاجة إلى الإعادة. إلاّ أنّنا سوف نعالج ثلاث نقاط جديدة، من بين نقاط كثيرة، وهي الكعبة في مكّة المكرّمة، والشرك والجاهليّة من خلال القرآن الكريم، للدلالة على توغّل المسيحيّة بين العرب حتّى عشيّة انطلاقة الإسلام.
ثالثًا: هل الكعبة هي كنيسةٌ حسب القرآن الكريم والمصادر الإسلاميّة؟
1. بعض الكنائس تحمل اسم أنبياء العهد القديم
لقد سُميّت الكنائس المسيحيّة، عادةً، بأسماء الشهداء والقدّيسين ومريم أمّ المسيح، وعلى اسم المسيح نفسه. وقد حملت، أيضًا، أسماءً من أنبياء العهد القديم. مثلا على ذلك: في جبّة بشرّي، وهي منطقةٌ صغيرةٌ في لبنان، نجد كنائس تحمل اسم أربعة أنبياء: النبي دانيال في حدث الجبّة، والنبي أليشاع في وادي قنّوبين، والنبي إيليّا في بقوفا وفي عربة قزحيّا، والنبي أشعيا في وادي قزحيّا. لذا، من الممكن، أن تحمل كنيسة اسم إبراهيم كنبيّ، ليكون شفيع مكّة وحاميها، كما هي العادة في أرباب البيع.
ولنبرهن هذه الفكرة، علينا أن نوضح أهمّيّة إبراهيم عند المسيحيّين، وما ورد، أيضًا، عن الكعبة في القرآن الكريم والأحاديث النبويّة الشريفة، ومصادر التاريخ الإسلاميّ.
2. مكانة إبراهيم في الكتاب المقدّس
اختار الله إبراهيم من عائلة كانت «تعبد آلهةً أخرى»، «وخرج به» من أُور (الكلدانيّين)، وقاده إلى فلسطين أدّت طاعة إبراهيم إلى تثبيت الوعد فرأى بداية تحقيقه «وبارك الربّ إبراهيم في كلّ شيء» وأصبح إبراهيم رمزًا للتخلّي من أجل الله «والنتيجة أقام الله عهدا مع بدويّ وأصبح إبراهيم نبيّا، وصار «خليل الله».
وفي أوقات الشدّة، حين كان كيان بني إسرائيل مهدَّداً، كان الأنبياء يجدّدون فيهم الثقة بتذكيرهم بدعوة إبراهيم: «أنظروا إلى إبراهيم أبيكم…» وأفضل صلاةٍ تنال رضى الله هي التي تتشفَّع بإبراهيم: «أذكر إبراهيم…»
واليهود كانوا يفتخرون بأنّهم أولاد إبراهيم، وهذا يكفي، حسب اعتقادهم، ليرضى الله عنهم ويصبحوا أحرارًا ولإبراهيم كرامةٌ هامّةٌ عند الله في الدينونة. يجلس الأخيار في حضنه، ويحاكم الأشرار.
3. هل الكعبة هي مقام إبراهيم حسب القرآن الكريم؟
«جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ»، «الْمَسْجِد الْحَرَام»، «مَقَام إِبْراهِيمَ»، ”الْبَيْت”اْمَعْمُور“[22] ”الْعَتِيق“، «مَثَابَةً لِّلنَّاسِ»، «لْيَقْضُواْ تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُواْ نُذُورَهُمْ
وَلْيَطَّوَّفُواْ» «مُصَلًّى وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَنْ طَهِّرَا بَيْتِي لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّع السُّجُود»، ”وَالْقَائِمِينَ“ «أوَّل بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكاً وَهُدًى لِّلْعَالَمِينَ» «وَمَن
دَخَلَهُ كَانَ آمِناً» «فَلْيَعْبُدوا (القريشيون) رَبَّ هَـاذَا الْبَيْتِ» «الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآَمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ» . إذًا الكعبة هي، على الأرجح، مقام إبراهيم شفيع القريشيّين، فهو وَإِسْمَاعِيل ابنه من رفعا «الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ».
يتبع
Recent Comments