لا يختلف لبنانيو استراليا عن سائر لبنانيي الانتشار من حيث روح المغامرة والسعي لتحقيق التفوق والنجاحات.
فلبنان الذي خسروه والذي يعيش في قلوبهم، حاولوا التعويض عن فقدانه بتحقيق نجاحات على أكثر من صعيد. وكان قطاع الإعمار والإسكان من بين القطاعات الأخرى التي انخرطوا فيها. حتى أصبحوا علامة فارقة بالمقارنة مع آخرين.
من بيع الملبوسات «على الكشة» إلي افتتاح المحلات التجارية وتوفير الثقافة والعلم لأبنائهم، وصولاً إلى الاستثمار في مختلف القطاعات الإنمائية، هكذا يمكن اختصار رحلة اللبنانيين في وطنهم الثاني استراليا. اندمجوا في المجتمع الجديد، اتقنوا لغة البلد، أحسنوا رعاية عائلاتهم وتربية أبنائهم وبنوها على الإيمان والاحترام والثقة بالنفس وعلى محبة استراليا، دون ان يتناسوا ارتباطهم بالوطن الأم.
في مطلع السبعينات وأيام حكم رئيس الوزراء السابق غوف ويتلام (1972 – 1975) شهدت استراليا أزمة اقتصادية بعد أن لجأت البنوك الكبرى إلى رفع الفوائد على القروض المنزلية والتجارية بنسبة عالية.
ويعلق وزير الخزانة آنذاك، جون ستون في مراجعة الاقتصاد الاسترالي آنذاك قائلاً: ان الاقتصاد في استراليا نما بشكل سطحي خلال الأعوام الممتدة بين 1972 – 1975، أي خلال سنوات حكم ويتلام.
وفيما أشيع أن الاقتصاد لم يشهد ركوداً، لكن نظراً للحسابات الدقيقة والموضوعية، فإن اقتصاد البلاد لم يسجل سوى «النمو السطحي».
ويؤكد ستون ان الاقتصاد كان بالواقع في أزمة، إذ تراجعت الاستثمارات الخاصة في قطاعات الإسكان والبناء وشراء المنازل. بالمقابل ارتفعت أجور العمال والموظفين بشكل خارج عن السيطرة وبلغ ذروته بعد أن ارتفعت الأجور بنسبة 30٫5 في المئة، وانفقت الحكومة الأموال الطائلة في قطاع الخدمات العامة بعد أن أدخلت توسعاً متسارعاً وغير مدروس عليها.
بالمقابل ارتفعت ضريبة الدخل الشخصي إلى 34٫3 بالمئة في عام 1973 – 1974. وبلغت نسبة التضخم في البلاد 16٫7 في المئة عام 1974 – 1975. فتبخرت ثقة المستثمرين الذين ترددوا في استثمار أموالهم في استراليا، بعد أن فقدوا ثقتهم بجدية ومصداقية حكومة ويتلام. نتيجة لهذا الواقع، ارتفعت معدلات البطالة، كما ارتفعت أسعار الوقود والكهرباء بنسبة 400 بالمئة، ودخلت البلاد في أزمة اقتصادية حادة.
– جئتم بلا مال وتعودون إلى بلادكم بلا مال.
في تلك الحقبة، أي وصول ويتلام إلى الحكم، استبشر العرب واللبنانيون خيراً في حكومة ويتلام، كونه كان متعاطفاً مع القضايا العربية وقريباً من صدام حسين ومنفتحاً على الصين، فتشجع العديد من اللبنانيين لهذه المؤشرات وانطلقوا في موجة الإعمار وشراء المنازل. لكن للأسف حدثت كل الأمور المذكورة سابقاً، وتعطلت سوق بيع وشراء العقارات، بالإضافة إلى رفع البنوك الفوائد على القروض بشكل عام.
ويحكى أن وفداً من المستثمرين اللبنانيين قرروا عقد اجتماع مع رئيس الوزراء ويتلام ومطالبته بالتوسط مع البنوك لخفض الفوائد واعتماد سياسة الصبر مع المستثمرين اللبنانيين الذين استدان معظمهم أموالاً طائلةً للاستثمار في قطاع البناء أو لشراء المنازل.
وتمكن أعضاء الوفد من لقاء رئيس الوزراء طارحين عليه مشاكلهم، عارضين مطالبهم.
ويقال أن غوف ويتلام أصغى إليهم واستمع إلى شكواهم. لكن جاء رده صاعقاً للجميع عندما سأل أعضاء الوفد: «كم من المال حملتم معكم عند وصولكم إلي استراليا؟ بإمكانكم العودة إلى وطنكم حاملين الأموال التي جلبتموها معكم…»
ويقال أن مئات اللبنانيين فقدوا في تلك المرحلة مالهم وممتلكاتهم ومنازلهم، المرهونة وعاد الكثير منهم «إلى الحصيرة» كما يقال في العامية.
ولم يكن اللبنانيون وحدهم المتضررون من سياسة حكومة غوف ويتلام، بعد أن دخلت البلاد في حال من الركود الاقتصادي والتقلص في عدد الاستثمارات المحلية والأجنبية. وتلا ذلك بداية خروج المؤسسات الصناعية الضخمة نحو البلدان الآسيوية حيث أجور العمال منخفضة وشروط العمل والتأمينات التسهيلات الغريب أشد ملائمة لأرباب العمل كون كلفة الإنتاج أقل مما هي عليه في استراليا.
– هل يعيد التاريخ نفسه مع بيل شورتن؟
بعد أن طرحت الأحزاب الكبرى برامجها السياسية أصبح بإمكان الناخب الاسترالي غير الملتزم سياسياً أو المتعاطف حزبياً أن يحلل بقدر من الموضوعية الطروحات والوعود الانتخابية، انطلاقاً من وعيه السياسي وظروفه المعيشية.
وبإمكان المواطن الاسترالي أن يتفهم ان طروحات الائتلاف تأخذ بعين الاعتبار مسألتين أساسيتين هما: دعم الاقتصاد المحلي، خاصة بالنسبة لذوي الدخل المحدود والمتوسط والأعمال الصغيرة والمتوسطة، ثم ضبط الإنفاق بشكل عقلاني يتلائم مع النمو الاقتصادي، دون المبالغة في طرح وعود بإنفاق غير مقنن يزيد حجمه على الدخل العام، ويحول بالتالي نقل الميزانية إلي الفائض وتسديد الدين العام، من الأمور الصعبة.
ولا يصعب بالتالي على أي مواطن اعتبار سياسة حكومة سكوت موريسون العامة أنها سياسة غير متهورة اقتصادياً، كما أنها لا تبالغ في الإنفاق على أمل كسب الأصوات وتتعهد هذه السياسة بخفض الضرائب على الأفراد والمؤسسات الصغيرة والمتوسطة وستسمح برفع الأجور بنسبة 2٫5 في المئة دون أن تهمل الخدمات العامة من تعليم وصحة وبنية تحتية وتضمن الحريات العامة والدينية في مجتمع يشهد تحولات جذرية في قيمه واخلاقياته. وإن كان الائتلاف يميل أكثر نحو الفكر اليساري الذي كرسه رئيس الوزراء السابق مالكولم تيرنبل، فإن حزب العمال يبدو اليوم أقرب إلى الإلحاد وأكثر ميلاً لتبني شعارات حزب الخضر، حتى ولو على حساب الطبقة العاملة ووحدة العائلة في استراليا، والقيم الأخلاقية…
– بيل شورتن والوعود الانتخابية
يتعهد بيل شورتن انه في حال تمكن حزب العمال من الفوز بالانتخابات الفيدرالية. سوف يحقق العمال الإصلاحات التالية:
– رفع الأجور لجميع العمال والموظفين في استراليا. وهذا أمر مفزح ظاهرياً لكنه سوف يؤدي حتماً إلي المزيد من غلاء المعيشة، إذ سيرغم أرباب العمل على رفع أسعار منتوجاتهم للتعويض عن الأجور المرتفعة. أما التدبير الوقائي الآخر الذي قديتخذه هؤلاء قد يكون بصرف قسم من العمال والموظفين، مما يرفع من نسبة البطالة ويزيد الضغوطات علي خزينة الحكومة.
في هذا المضمار يبدو ان بيل شورتن يرتكب نفس الخطأ الذي ارتكبه غوف ويتلام سابقاً عندما سمح برفع الأجور بنسبة 30٫5 في المئة، فقدت الحكومة سيطرتها على اقتصاد البلاد.
كذلك تعهد شورتن أن تساعد حكومته العائلات على مواجهة غلاء المعيشة، وتوفير الرعاية للأطفال بتكلفة أقل مما هي عليه الآن، وتوفير علاج الاسنان لكبار السن المتقاعدين، وتأمين الرعاية الصحية والعلاج لمرضى السرطان ودعم التعليم، ومكافحة التبدلات المناخية. هذه التعهدات هي إيجابية بالظاهر، لكنها ستغرق البلاد في المزيد من الديون، خاصة أن زعيم المعارضة حتى كتابة هذه لم يتمكن الأسطر من تحديد كلفة هذه السياسة.
كما أنه لم يشرح كيف ستمول حكومته هذه البرامج السخية؟
ربما ستعيش استراليا مجدداً «ازدهاراً سطحياً» كما وصف جون ستون الوضع الاقتصادي أيام حكم ويتلام ولا يستبعد المراقبون ان ترغم حكومة شورتن على رفع الضرائب علي المواطنين للوفاء يتعهدات شورتن الانتخابية.
ألم يقوم ويتلام بذلك عندما أطلق العنان لحركة الإنفاق على قطاع الخدمات وساهم بخلق أزمة اقتصادية في البلاد؟
المغامرة الأخرى لحزب العمال هي في فرض السيارات الكهربائية والتخلص من 50 في المئة من السيارات التقليدية بغضون 2030، وفرض ضرائب على الموتى.
والأخطر من ذلك ما يطرحه بيل شورتن حول فرض ضريبة على الإرث تصل إلى 40 في المئة، وهي نسبة مرتفعة للغاية، تصوروا معي ان 40 في المئة من قيمة الأموال النقدية وقيمة العقارات ستذهب إلى حكومة بيل شورتن عوض ان يسمح بتوريثها للأبناء أو الأقارب، مع العلم أن أصحاب العقارات سددوا ضرائبهم طوال حياتهم، ويفترض ان يكون ما يمتلكون من أموال نقدية وممتلكات هو ملكهم الخاص لا تشاركهم الحكومة به، بعد أن سددوا كل ضرائبهم حسب القانون.
الخطورة الأخرى في سياسة بيل شورتن تكمن في عدم ضمان الحريات الدينية بوضوح وفرض برامج «المدارس الآمنة» وإفساح المجال أمام الأطفال لتحديد هويتهم الجنسية واحترام خياراتهم الشخصية في حال أرادوا التحول إلى جنس آخر، دون موافقة أهاليهم أو حتى الرجوع إليهم.
رحم الله جبران خليل جبران عندما قال «أبناؤكم ليسوا لكم…»
مع بيل شورتن سوف نخسر أبناءنا ونخسر 40 في المئة من ممتلكاتنا، وندفع ضريبة قبل انتقالنا إلى الأبدية.
فهل سيدمر شورتن الهيكل على رؤوسنا لكي يصل إلي الحكم، أم أنه ملتزم بأجندة دولية تسعى إلى فرض نظام شيوعي جديد يقوم على الإلحاد وغياب العائلة وفقدان الملكية الخاصة.
على المواطنين أن يختاروا في 16 أيار / مايو ما يلائم مصالحهم وعائلاتهم وإيمانهم ومستقبل أبنائهم، وألا ينقادوا إلي أفكار والتزامات مسبقة تكون عواقبها وخيمة على عائلاتهم وعلى مستقبل البلاد.
فلنحكِّم عقولنا ولا نسمح للمصالح الآنية أن تدمر فرص الحياة لدنيا ولدى الأجيال القادمة.
وإلا سيصدق القول أن أبناءنا وأرزاقنا ليسوا ملكاً لنا.
لأن حكومة «شورتن» ستكون هي المرجعية الوحيدة التي ستحكم بمصير الأمة في استراليا.
إنها ديموقراطية الإلحاد التي ستتحكم بنا.
Recent Comments