العميد المتقاعد خليل اسبر وهبه
بعد هذا المخاض العسير الذي استغرق سنتين ونصف السنة وُلد لنا رئيس للجمهورية اللبنانية. وحتى لا تتكرر هذه المأساة الأليمة وعرقلة مسيرة التقدم والعمران كل ست سنوات، ينبغي إعادة النظر بسلّة الصلاحيات الرئاسية لا بغيرها من السلال التي طال الحديث عنها.
هذه السلال العديدة التي اولدتها مخّيلات جهابذة السياسة اللبنانية ينبغي ان تتضافر جميعها في سبيل رفعة هذا الوطن المعذب وديمومته. ولا يجب مطلقاً ان تتواجه وتشكل حاجزاً مانعاً لرفعة الوطن وقيامته الحياتية الدائمة.
كفى خصومات وصراعات محلية بين فئات الشعب اللبناني الذي ذاق الامرين وتعطلت فرص كثيرة امام نهوض لبنان السياسي من كبوته التي استهلكت عامين ونصف العام بلا نتيجة ايجابية واحدة. لا عيب في الصراع الدائر بين مكونات الشعب اللبناني على مدار هذه المدة الطويلة التي امضيناها بعقم ما بعده عقم سلبي. كفانا بكاءً على الاطلال وتأسفاً على المصير. ماهمّ يجب ان ننهض من كبوة الموت البطيء ونعود لنتنشق الهواء المليء بأوكسيجين المحبة الذي بدونه لا قيامة للوطن من هوة الاختناق القاتلة. فلبنان مارد جبّار ينعتق من حصاد الاخطار المحيطة به. ويشق خطر العيون الحاسدة التي تطوق الوطن من كل ميل وجانب، ومن كل حدب وصوب. وهو يشبه الى حد كبير طائر الفينيق الذي لا يموت لكنه يتكيف مع الاعاصير ويميل من جهة الى اخرى ولا يسقط. لا نقول ما نقوله عن شماتة او تحدٍ للآخرين.. فرسالة لبنان الذي قيل فيه انه وطن الرسالة الانسانية على لسان قداسة البابا يوحنا بولس الثاني الذي تباركت ارضه من وقع اقدامه المباركة عندما زاره في نهاية القرن الماضي من التقويم الحديث.
نحن ابناء هذه الجبال الصامدة والشامخة الى يوم القيامة ولا نلين ولا نتراجع عن مبتغانا حتى تحقيق ما نصبو اليه. فرسالة لبنان لا تقهر ولا تزول لأنها تحمل بين سطورها المحبة والتسامح وتخطي الضعف الذي ينخر كالسوس في جسد آلامة ليأتي على مناعتها وقدرتها على البقاء في ميدان الصراع منتصبة كالمارد الجبّار.
الانتخابات الرئاسية هذه المرة مختلفة عن سابقاتها من حيث المعاناة الطويلة التي يحملها شعبنا الصبور على المكاره والمآسي التي اعترضت سبيل الوطن المعذّب وسبيله.
تشير المعلومات والاستقصاءات ان جلسة انتخاب رئيس جديد لجمهورية لبنان قد تقررت يوم الاثنين 31 من الشهر الماضي بعد تعميم كلمة السر على الفرقاء ورؤساء الكتل النيابية البرلمانية. ومع ذلك ما زلنا نشهد حرب اشاعات طاحنة تشوّش على المسار السعيد وتتركنا نهب القلق والتوقعات السلبية. فتارة نتخوف من انفجار امني يعطل مسيرة المجلس النيابي ويؤجل الجلسة الى موعد آخر، وطوراً ظروف اقليمية طارئة تعرقل مسار الحل السعيد.
الاثنين 31 تشرين اول 2016، تاريخ مجيد في تاريخ لبنان بعد توقف عجلة الدولة اللبنانية عن الدوران طوال سنتين وستة اشهر عن الانتاج وتطور الوطن نحو الافضل.
تاريخ 31/ت1 تاريخ مفصلي هام في مسيرة وطن الارز. ومن جهة ثانية اعادة انتعاش الديمقراطية التي توقفت عن الانتاج، بعد فقدان الثقة بمسيرة هذا الوطن الدهري.
هذا التاريخ المفصلي اعاد الروح الى الوطن المنهوك القوى والذي اشرف على الهلاك وكاد الكل يفقد الثقة بقدرته على البقاء واجتياز مرحلة الهلاك الاكيد. الا ان المارد اللبناني الذي انحنى حتى لامس الارض لم يسقط ولم تتزعزع أسسه الثابتة والمبنية على صخرة الايمان وقدرة شعب لبنان على الصمود في وجه الزعازع والاعاصير وتجاوز جميع العقبات العارضة لمسيرة هذا الشعب الليّن دون انكسار والمقاوم دون هوادة حتى الانتصار.
لبنان، أيها السادة، لا يحول ولا يزول طالما ان هناك لبناني واحد يقاوم حتى الرمق الاخير. فكيف اذا كان جميع اللبنانيين على اختلاف مشاربهم ومآكلهم، حزمة واحدة في وجه الطغاة الطامعين بارضه المقدسة.
انتخاب الرئيس العتيد هو الخطوة الاولى في مسيرة الالف ميل. امام الحصّادين الالوف المؤلفة من الاميال لبلوغ قمة التقدم والازدهار. ويلي هذه الخطوة خطوات اخرى اهمّ مما مرّ.
وأخيراً بعد ان أصبح لنا رئيس للجمهورية بقي ان نبدأ ورشات متعددة لننقّي دستورنا من الشوائب العديدة التي زرعتها الوصايا السورية في طريق الوطن المتعثر الخطى واولها العودة الى العدد 108 نواب التي حددها دستور الطائف وخالفتها الوصاية السورية.