العميد المتقاعد خليل اسبر وهبه
لاول مرة منذ الاستقلال الحديث يبقى لبنان بلا رئيس للجمهورية قرابة السنتين والنصف، ومجلس نوابه الـ128 المجدد لنفسه مرتين متتاليتين، وهو على وشك التجديد لنفسه ولاية ثالثة. يبدو ان الشعب اللبناني مخدر الاعصاب وغير قادر على التصدي لموجة التعدّي على حقوقه الاساسية من قبل نواب الامة المأجورين باغلبيتهم الى زعماء اقليميين ودوليين. ينفذون سياسات خارجية عائدة الى دول غريبة عن بيئتنا الوطنية الصافية الاديم.
نحن شعب نساير الاغراب على حساب الوطن المنهوك القوى والقصير النظر الذي يمالئ القوى الاقليمية والدولية، ارضاء لخواطر القوى القادرة على التحكم بمصير الشعب المسحوق. سيظل شعبنا اللبناني موزعاً شيعاً واحزاباً تتقاتل وتتناهب السلطة حتى يدرك شعبنا اننا على امرنا مغلوبون وخاضعون لسلطان القوى الضاغطة. ليت هذا الشعب الرازح تحت اثقال القوى الطامعة بأرضنا وخيراتها يعي ان لا قيامة لنا طالما ان القوى الاقليمية والدولية تفرض سلطانها على شعبنا المنقسم على ذاته.
وطالما ان الشعب اللبناني خاضع لاملاءات غريبة عنّا طالما سنظل محكومين لارادة الاغراب عن طينتنا بفضل زمر تدين بولائها للشعوب الطامعة بنا ولو على حساب كرامتنا الوطنية.
لعبة السياسة اللبنانية لعبة قذرة ووسخة للغاية. فسياسة استغشام الشعب اللبناني مستمرة كما هي العادة، واعتباره ولداً قاصراً ما زال يحبو ولم يبلغ بعد سن الرشد. يؤسفني ان يكون هذا الشعب المدرك لخفايا الامور يتجاهل عن قصد انه شعب مدرك وعلى معرفة تامة اكثر من سياسييه المتربعين سعداء على كراسي الحكم.
هل ان اهمال كرسي رئاسة الجمهورية اللبنانية تستغرق سنتين ونصف السنة ليتفق زعماء الحكم على انتخاب رئيس عتيد جديد لادارة دفة الحكم في لبنان المشلّع؟
هل لبنان السياسي محكوم بالتشرذم على مستوى القيادات ولا من يقف في وجه هذا الاعصار المرعب؟
لبنان، أيها السادة، محكوم ابداً بشراذم من السياسيين الفاقدة الحس الوطني الذي يقعد رجال الحكم عن كل حراك مثمر وكل وقفة داعية لمسؤوليات صيانة الوطن من التفكك والانهزام.
اننا نخجل بهكذا طواقم سياسية تتحكم برقابنا حتى الاختناق. مفتاح الحل بيدنا نحن الشعب اللبناني المتوثب دائماً للانتفاض على هذا الواقع المؤلم الذي نعيش في ظله والانقضاض عليه للتحرر من هذا القيد الموجع. فلم يعد مسموحاً الرضوخ لهذه الاطقم السياسية المهترئة. كفى تحكماً برقابنا ومصائرنا! كفى تبعية وانسحاقاً! وارتهاناً! كفى تعلقاً باذناب الآخرين! كفى ان نبقى «شرابة خرج» او تكملة عدد في هذه المجموعة الفسيفسائية التي اصواتها مستعارة لا تمت الى الوطن اللبناني بصلة أو بعقيدة وطنية لبنانية التطلعات والهوى. يؤلمنا كثيراً ان ينادي كل فريق من افرقاء السياسيين من حملة الهوية اللبنانية زوراً وبهتاناً بوطن يذوب فيه الكيان اللبناني المستقل بكيانات اخرى طابعها لبناني ومضمونها كل الكيانات المحيطة بنا الّا وطن الارز الدهري.
والله، ثم والله سيظل وطن الارز الخالد عرضةً للانتهاك والمضايقات من قبل الغيارى والطامعين الى ربطنا بفرقاء غرباء التطلعات والاهواء عن تطلعات الوطن الارزي الى السيادة والاستقلال. ومن العار والعيب علينا ان نبقى سنتين ونصف السنة بلا رئيس للجمهورية اللبنانية يرعى شؤون الامة وشعبها لما فيه خيرها واستمراريتها ومجدها التليد.
هذا الوطن الدهري الذي عمره اكثر من ستة آلاف سنة من التاريخ المجيد لن يزول ولن يسقط في وادي النسيان، بل سيبقى سيّد نفسه الى يوم القيامة. هذا الوطن الدهري يتمايل مع العواصف الهوجاء ويترنح ولا يقع امام الاعاصير العاتية. فكما اختبر صموده عبر التاريخ الطويل ولم يسقط امام جحافل الاعداء العاتية، كذلك سينهض الى معارج الرقي والبقاء الازلي والسرمدي، بينما تنهار كل القوى الباغية التي تسعى لاذابته في كيانات ناشئة حول جذوره لخنق نبض الحياة الخفّاق في كيانه الدهري.
الزمن الطويل الذي امضيناه بلا رئيس للجمهورية للاتيان برئيس مكبل اليدين قبل ان يصل الى كرسي الرئاسة الاولى بفرض شروط جائرة عليه. نحن لا نريد اكثر من رئيس طليق اليدين من اي قيود كما هما حرّان من كل قيد وشرط رئيسا المجلس النيابي والحكومة.
نرفض الاتيان برئيس للجمهورية اللبنانية معّقداً ومقّيداً بشروط همايونية. بل نريده حرّاً وسيّد نفسه طبقاً لصلاحياته الدستورية التي نصَّ عليها دستور الطائف واكثر.