بقلم العميد المتقاعد / خليل اسبر وهبه
النداء الذي وجهه سفراء الدول المعتمدة في لبنان لانتخاب رئيس لجمهورية لبنان وإجراء الانتخابات النيابية في موعدها المحدد خلال العام 2017. وإلا تعرَّض الوطن لأشد المخاطر المصيرية. انه نداء أشد حراجة من أي نداء آخر يطلق لاسماع صوت الامم المتحدة الى «ممثلي» الامة اللبنانية. اليوم قبل الغد فليُعِدَّ السياسيون عندنا العدة بدءاً من الغد وقبل نهاية هذا الشهر الحالي لوضع قطار الدولة على سكته لكي تنطلق عجلة العمل في مكانها الصحيح قبل ان نقف ذات يوم قريب جداً على الاطلال ونبكي على ماضٍ قريب كان الوطن فيه في طليعة الاوطان المتطورة.
هذا إذا كان «ممثلو» الشعب اللبناني في المجلس النيابي الغائبين عن السمع يسمعون صوت السفراء ويعملون ولو لمرة واحدة بنصيحتهم الخالية من أية غاية شخصية أو مصلحة أنانية.
حكم لبنان من أصعب ما يكون في الارض، هذه الرقعة الصغيرة البالغة 10452 كلم مربع دوّخت حكام فرنسا منذ زمن الانتداب الفرنسي على لبنان مطلع القرن العشرين ولا يزال في ظل الحكم الوطني. السياسة في لبنان معقدة جداً لسبب بسيط جداً هو ان الذين يتعاطون العمل السياسي في لبنان يعانون من مُركب نقص يرافقهم طيلة فترة تعاطيهم السياسة. فهي مزاجية وانتقائية لا ترضي احداً من الفئات التي يتشكل منها المجتمع اللبناني، كما لا ترضي مطلقاً العقلاء الذين يتوضّون الحقيقة في كل ما يقولون ويفعلون لبناننا يعاني من ازدواجية مقرفة في العمل السياسي ولا يخجلون من ألسنتهم الذربة التي تطاول خصوصيات الغير والخصوم بلا حياء وبلا خجل، بدل الارتقاء في تعاطيهم السياسي الى مصاف الشعوب الراقية.
متعاطو السياسة في الوطن فئتان: واحدة ولاؤها لخارج الحدود وأخرى ولاؤها لداخل الوطن. هذا ما يفسر انقضاء سنتين ونيّف على الفراغ في قمة الهرم بدل التحاكمات الفارغة. حبذا لو يلتقيان معاً تحت قبة البرلمان لانتخاب رئيس جديد للجمهورية باجماع سياسي عليه. هذا التناقض الحاد البارز يترجم عملياً بفراغ كرسي الرئاسة الاولى وتخبط الشعب وسيره على غير هدى نحو الهاوية.
الوضع الخطر الذي تعدّى طاقة لبنان على الاحتمال مما حمل سفراء الدول المعتمدة لدى لبنان على توجيه نداء صادق ومنزه عن كل مأرب وغاية الى النخبة السياسية التي تتحمل مسؤولية وتبعة هذا الانهيار الوطني لتقي خطورة ما نحن اليه سائرون.
وضعنا المعقد بفعل المداخلات الغريبة في شؤوننا الوطنية من شرق أوسطية وعلى رأسها ايران وسوريا وعالمية من امريكية وسواها بات يلزمه مؤتمر يضم جميع اطراف الصراع السياسي ليتفقوا على تقاسم الجبنة بينهم.
اجل بتنا بحاجة ماسة لعقد مؤتمر وطني جامع في بيروت والخروج باتفاق موحّد على اختيار رئيس يجمع ولا يفرّق قبل انهيار الهيكل فوق رؤوس الجميع والذي سيكون انهياره مدوياً ومؤلماً لكل الفرقاء.
هذا المؤتمر المنشود متى انعقد يتعين عليه التوقف عن الدرس والتمحيص حتى يصل الجميع الى حل ينقذ الوطن من براثن الهلاك الاكيد.
متى يدرك السياسيون عندنا مغزى الرسالة التي وجهها نداء السفراء؟ الى الساسة اللبنانيين؟ او لم تعد كافياً كل هذا التشرذم السياسي الذي تعاني منه البلاد لنستمر في الغوص في الوحول السياسية الآسنة؟
متى ندرك ان خلاصنا بايدينا وليس بيد سوريا او ايران او الولايات المتحدة الامريكية؟ خلاصَك بيدك يا لبنان! وليس بيد اي من الدول المجاورة والبعيدة.
الامثلة التي تؤيد مقولتنا ونثّبتها هي من صنع ايدينا. فالكل يظهر تعاطفاً وغيرة على مصالحنا. ولكن في الحقيقة تلك غيرة على مصالحهم الذاتية. الكل يدرك ذلك الا نحن اللبنانيين الغارقين حتى أُذُنيْنا في التعامي عن مصالحنا الوطنية.
ساستنا الكرام المتربعون سعداء في كراسي الحكم ماذا ينتظرون ليهبوا هبة رجل واحد ويتجاوزا الحاجز النفسي الذي يشد الخناق على رقاب الاحرار في بلادنا. ماذا ينتظرون؟
ذكّرني واقع الحال المخزي الذي نتخبط فيه بقصيدة مصرع بزرجمهر في ايران حين اقتحمت ابنته سافرة الوجه الجماهير المكتظة في ساحة الاعدام وعندما سُئِلت عن سبب جرأتها النادرة اجابت بلسان الشاعر اللبناني خليل بك مطران، ابن مدينة الشمس- بعلبك:
«ما كانت الحسناء ترفع سترها …… لو ان في هذي الجموع رجالا.»
ماذا ينتظرون؟
والى متى ينتظرون؟